تصاعدت المخاوف العالمية بشأن التأثير الضار للأنشطة الاقتصادية داخل النظام الحالي على البيئة، والتغيرات والكوارث التي أحدثتها. ومع ذلك، فإن التدابير والإجراءات المتخذة لمعالجة هذه الأزمة الكارثية لا تتناسب مع شدتها، ويرتبط هذا التناقض بشكل مباشر بالمنطق السائد للرأسمالية وتجاهلها المتأصل للآثار الجانبية للسعي لتحقيق الربح.
لقد أدت الأزمة البيئية إلى مجموعة من الكوارث التي لا يزال تأثيرها المدمر غير معروف بشكل واضح، بسبب الجهود التي تبذلها القوى السياسية والاقتصادية لإخفاء شدتها ومسبباتها. تشمل هذه الكوارث التغيرات المناخية المتطرفة مثل موجات الحر والجفاف والعواصف والأعاصير والأمطار الغزيرة وحرائق الغابات وغيرها.
لقد أصبحت في السنوات الأخيرة الفيضانات المدمرة شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، بحيث شهد عام 2024 وحده، فيضانات مدمرة في 12 دولة، بما في ذلك أفغانستان وأستراليا والبرازيل والصين وإنجلترا وألمانيا وكازاخستان وكينيا وروسيا وتنزانيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
وفقًا لتقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، زادت الكوارث المرتبطة بالفيضانات بنسبة 134% منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. الفيضانات هي الكوارث الأكثر تكرارًا وانتشارًا، المرتبطة بالطقس، والتي تهدد البشرية اليوم.
تعتبر كل من الأمطار الغزيرة ووصول أمواج المحيط إلى الشاطئ وذوبان الثلوج بسرعة كبيرة وفشل السدود، سببا رئيسيا في حدوث الفيضانات. إن الفيضانات المفاجئة، التي تنتج عن هطول الأمطار الغزيرة، بشكل خاص، غير عادية وخطيرة، حيث يتجاوز حجم المياه قدرة الأرض على امتصاصها، ينضاف إلى ذلك الضعف الشديد للبنية التحتية في المناطق المكتظة بالسكان والمواقع القريبة من الأنهار وتلك القريبة من ذوبان الثلوج وفشل السدود بسبب عدم كفاية الصيانة التخطيط، كل هذا يزيد من الآثار المدمرة للفيضانات، بالتالي، ليس فقط التغبر المناخي الذي يؤدي إلى الكارثة ولكن أيضا التخلف وانعدام التنمية. إن تدمير الطبيعة، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي وإهمال البنية العامة الأساسية – وهي سمات انكماش الدولة من قبل الحكومات االنيوليبرالية – مسؤولة أيضًا عن التهديدات التي نواجهها اليوم. إن الدمار وفقدان الأرواح الناجم عن الفيضانات الأخيرة لا يجب أن نواجهه بالقلق والحزن، بل يتطلب أيضًا اتخاذ إجراءات عاجلة.
عانت باكستان في عام 2022 من واحدة من أسوأ الفيضانات في التاريخ الحديث، مما أثر على أكثر من 33 مليون شخص، مع احتياج 20.6 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة وفقًا لليونيسف، وهو الأمر الذي أدى إلى نزوح ثمانية ملايين شخص، في حين لقي 1739 شخصا حتفهم. هذا وواجهت شرق إفريقيا مؤخرًا أمطارًا غزيرة وفيضانات مفاجئة وانهيارات أرضية، مما أثر على ما يقرب من 1.6 مليون شخص في بوروندي وإثيوبيا وكينيا والصومال وتنزاني وأوغندا، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بحيث في كينيا وحدها، نزح 293 ألف شخص وتوفي 289، وفقا لإحصاءات الحكومة. أثرت الفيضانات الشديدة في البرازيل، وفقا للبيانات الصادرة عن نشرات الدفاع المدني، على 94% من 500 بلدية في ولاية ريو غراندي دو سول الجنوبية، بحيث نزح أزيد من 600 ألف من أصل 11 مليون نسمة تقطن في المنطقة، بينما لا زال 72 ألف شخص يعيشون في ملاجئ مؤقتة، وتوفي أكثر من 160 أخرين. وفي الولايات المتحدة، تقتل الفيضانات عددا أكبر من الناس كل عام مقارنة بالأعاصير أو البرق.
إن العلاج الوحيد للأزمة البيئية يكمن في إصلاح جذري لنظامنا الاقتصادي والانتقال نحو نموذج يدافع عن العدالة الاجتماعية، يقضي على الاستغلال ويعزز العلاقة التكافلية مع الطبيعة. يستلزم هذا التحول تحولاً في الوعي فيما يتعلق بعلاقاتنا بالبيئة الطبيعية، والسعي إلى استعادة التوازن والمعاملة بالمثل. إن مجرد الحد من الانبعاثات في محاولة للحد من الانحباس الحراري غير كافٍ، وبطبيعة الحال غير قابل للتطبيق في ظل الهيمنة الحالية لرأس المال ومصالحه.
لا يمكن التقليل من أهمية التحدي الذي تواجهه منظمات الطبقة العاملة والحركات والأحزاب الشعبية، ولا يمكن تحقيق التحولات اللازمة إلا من خلال التعبئة الشعبية والعمل. قد يلعب العلماء والمشرعون والسياسيون أدوارًا مهمة، لكن المنظمات الجماهيرية وحدها لديها القدرة على بناء القوة السياسية اللازمة لمواجهة النظام الاقتصادي السائد، والذي يعتمد على التدمير المستمر للبيئة ونهبها.
إن الأزمة البيئية تؤثر بشكل غير متناسب على النساء، وخاصة أولئك في المجتمعات الأكثر ضعفًا. غالبًا ما تتحمل النساء مسؤولية حماية الأسر والمجتمعات أثناء الأزمات، وتحمل التأثيرات الأولية للنزوح وفقدان سبل العيش وزيادة الواجبات المنزلية. وبالتالي، من الأهمية بمكان إشراك النساء في صنع القرار على جميع المستويات، حيث تقدم تجاربهن ومعارفهن المتنوعة وجهات نظر وحلول فريدة.
ولهذه الغاية، نقدم الأفكار التالية التي اكتسبتها الحركات في جميع أنحاء العالم في عملها نحو تحويل واقعنا الحالي:
- يجب أن يتم الانتقال نحو مصادر بديلة للطاقة من خلال التخطيط الذي يشمل مشاركة الشعوب ومنظماتهم، وضمان حصول النساء على صوت متساوٍ في هذه السيرورات.
- إن الدفاع عن السيادة الوطنية ضد مصالح الشركات العالمية التي تسعى إلى استخراج الموارد الطبيعية أمر ضروري لمنع المزيد من الدمار.
- إن إصلاح الأراضي والسعي إلى نموذج للإنتاج الزراعي يقوم على الممارسات الزراعية البيئية ومبادئ السيادة الغذائية هي وسائل لمواجهة الطابع المدمر للزراعة الصناعية. وهناك حاجة إلى مبادرات دولية لدعم الإنتاج الزراعي البيئي في الجنوب العالمي. وفي هذا الصدد، من الضروري تعزيز الوعي حول الحاجة إلى الاستهلاك وفقًا للضرورة، وإعطاء الأولوية لما يتم إنتاجه محليًا.
- سداد الديون البيئية لدول الشمال العالمي، التي نهبت وأفسدت ولوثت الجنوب العالمي تاريخياً.
- يجب تطوير برنامج عالمي وشامل لحماية مصادر المياه وإعادة التحريج، كما يجب أن يأخذ هذا البرنامج في الاعتبار احتياجات ووجهات نظر القطاعات المختلفة من السكان، وضمان تلبية الاحتياجات المحددة للنساء والمجموعات الأخرى.
- إن حماية الحقوق في الأرض والمياه والبذور من خلال التشريعات المناسبة والحد من وصول الشركات والضمانات الرسمية، بما في ذلك الدفاع عن الأراضي والأقاليم الأصلية، تشكل أولوية، مع الدفاع عن المياه والهواء وسلع الطبيعة وضمان عدم خصخصتها أو تحويلها إلى سلع.
- يجب أن تركز الحلول على التغييرات البنيوية في الاقتصاد ونموذج التنمية، وليس على الإجراءات التي يقودها المستهلكون.
- إن المجمع الصناعي العسكري، الذي تقوده وتنظمه الإمبريالية الأمريكية، يشكل هجوماً مستمراً وشاملاً على الشعوب والبيئة، بالنظر إلى الموارد الهائلة التي تخدم الإنتاج العسكري والطبيعة الملوثة لإنتاجه.
- إن معالجة الأزمة البيئية لابد وأن يعالج أيضاً المصاعب المرتبطة بالنظام العام، بما في ذلك الجوع والمجاعة والإسكان غير الكافي والخطير والتنمية الحضرية غير الكافية وعدم كفاية فرص الحصول على الرعاية الصحية وظروف العمل غير الآمنة في التعدين والزراعة وغيرها من القطاعات.
- يجب السعي إلى إيجاد حلول على جميع مستويات المجتمع، من المستوى الإقليمي والوطني إلى المستوى الوطني مع التمثيل العادل للنساء في جميع هيئات صنع القرار.
- لا يمكن فصل النضالات والعمل السياسي فيما يتعلق بالأزمة البيئية عن الجهود المبذولة لمعالجة النظام الأبوي والعنصرية والعنف وعدم المساواة، أو ضمان الديمقراطية والسلام والسيادة والتنمية.
نستحضر هنا كلمات تشيكو مينديز الحكيمة “إن الحفاظ على البيئة دون نضال طبقي هو مجرد عمل بستاني”. دعونا نناضل معًا لبناء مستقبل أكثر عدالة وأمانًا وتناغمًا بيئيًا للجميع.
الموقعون:
القمة العالمية للشعوب
حركة آلبا
الحركة المتضررة من السدود
المسيرة العالمية للمرأة.