الفلسطينيون في سجون الاحتلال: قمع ممنهج وانتهاك متواصل لحقوق الإنسان
بعيدًا عن عناوين الأخبار اليومية حول الاحتلال والعدوان، تتواصل مأساة أكثر إهمالا في ظلال جدران السجون. أكثر من 10300 فلسطيني — من رجال ونساء وأطفال — محتجزون حاليا في سجون الاحتلال، ونادرا ما تظهر أسماؤهم في الأخبار العالمية، لكن قصصهم تشكل نبض نضال طويل ضد العنف الاستعماري والحرمان والقمع. إن سجنهم يروي قصة أعمق: قصة احتلال وتجريم للوجود الفلسطيني.
لا يعتبر نظام سجون الاحتلال عقابيا فقط، بل هو أداة سياسية أيضا، بحيث يُستخدم كوسيلة للعقاب الجماعي والسيطرة على السكان. آلاف المعتقلين يُسجنون بناء على تهم تتراوح من المشاركة في احتجاجات إلى اتهامات مبهمة بالانتماء إلى “منظمات معادية”. العديد منهم لم يُدن بأي جريمة، بل يُحتجزون بموجب الاعتقال الإداري، وهو ممارسة مثيرة للجدل وتلقى انتقادات واسعة، تُستخدم من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث يُحتجز الأفراد دون توجيه تهمة رسمية أو عرضهم على المحاكمة. يقبع أزيد من 3498 معتقل فلسطيني تم اعتقالهم بموجب أوامر اعتقال إداري.
غالبا ما يتم الاعتقال الإداري لفترات غير محددة، حيث يتم تمديده كل ستة أشهر دون توجيه أي تهم رسمية، وفي بعض الحالات، يُعتقل الفلسطينيون لسنوات بناء على “أدلة سرية” لا يُسمح للمعتقل أو لمحاميه الاطلاع عليها. تُعد هذه الممارسة انتهاكا لمعايير حقوق الإنسان الدولية التي تؤكد على الحق في محاكمة عادلة، وغالبا ما يُستخدم الاعتقال الإداري كوسيلة لإسكات المعارضة السياسية، حيث إن العديد من المحتجزين هم من النشطاء أو القادة السياسيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان.
نساء في الخطوط الأمامية للمقاومة وطفولة مغتصبة
تقبع أكثر من 89 امرأة فلسطينية حاليا في السجون الإسرائيلية، كثيرات منهن ناشطات أو طالبات أو أمهات، تعطلت حياتهن تعطلت جذريا بسبب السجن، كما أن معاناتهن مزدوجة: إذ يتعرضن لنفس ظروف الاعتقال القاسية التي يواجهها الرجال، بالإضافة إلى انتهاكات جنسية وجندرية، مثل التفتيش العاري، والتحرش، والإذلال المتعمد.
كثير من هؤلاء النساء أمهات لأطفال صغار، بعضهم كانوا رُضعا عند اعتقال أمهاتهم. هذا الانفصال عن الأسرة يشكل عقابا قاسيا يؤثر على أجيال بأكملها. تعاني هؤلاء النساء داخل السجون من الإهمال الطبي المزمن، دون علاج كاف لمشاكل صحية نسائية أو أمراض مزمنة، مع إهمال واضح لحالتهن النفسية.
بالإضافة إلى النساء، يقبع أكثر من 400 قاصر فلسطيني في سجون الاحتلال، بعضهم لا يتجاوز عمره 12 عاما، بحيث يتم اعتقال هؤلاء الأطفال غالبا في مداهمات ليلية عنيفة عبر اقتحام القوات منازلهم في ساعات الفجر، تقييد آباءهم واقتياد الأطفال بعيدًا. لكن الصدمة لا تنتهي عند هذا الحد.
بعد الاعتقال، يواجه هؤلاء الأطفال تحقيقات دون وجود محام، ويتعرضون للضرب والانتهاكات النفسية، وغالبا ما يُجبرون على التوقيع على اعترافات مكتوبة بالعبرية — وهي لغة لا يفهمونها. يُستخدم الحبس الانفرادي ضدهم، كعقوبة أو خلال التحقيق، وهو أمر ضار نفسيا بشكل خاص ويُعتبر شكلا من أشكال التعذيب النفسي بموجب القانون الدولي.
سياسة الإبعاد
طفى إلى السطح خلال فترة العدوان مشكلة أخرى انضافت إلى مآسي الأسرى، حيث تم خلال الاتفاق الأخير توقيع اتفاق إبعاد الأسرى الذين تم الإفراج عنهم. العشرات جرى نقلهم قسرًا إلى غزة أو نُفوا إلى الخارج، بدلاً من السماح لهم بالعودة إلى منازلهم في الضفة الغربية أو القدس. هذا الإجراء، الذي يُعد خرقًا للقانون الإنساني الدولي، يقطع الأسرى عن مجتمعاتهم وأُسرهم وشبكات الدعم الضرورية لهم بعد التحرر.
غالبًا ما يجد المُرحّلون أنفسهم في ظروف معيشية صعبة، يعانون من التهجير والصدمات النفسية، ويفتقرون إلى الرعاية الصحية أو السكن المناسب. بالنسبة للكثيرين، فإن “الحرية” بعد الإفراج ليست سوى شكل جديد من أشكال النفي، ينضاف إلى ذلك أن العديد من البلدان رفضت استقبالهم.
ينضاف إلى أن التعامل مع الأسرى يخضع أيضا للانتقائية فيما يخص قبولهم في بعض البلدان أو لا، وهو الأمر الذي تأكد من خلال مكوث حوالي 192 محررا داخل الأراضي المصرية بانتظار انتقال عدد منهم إلى دول أخرى.
تعذيب نفسي وحالات اغتيال داخل السجون
يُستخدم الحبس الانفرادي بشكل متكرر، أحيانا لأشهر، خاصة ضد الأسرى السياسيين البارزين أو أولئك المتهمين بتنظيم المقاومة داخل السجن. يُحبس المعتقلون في زنازين صغيرة بدون نوافذ لمدة 23 ساعة في اليوم، ويُمنعون من التواصل مع الآخرين، أو تلقي الزيارات، أو الوصول إلى الكتب أو وسائل الإعلام.
هذه الممارسات لها تأثيرات نفسية عميقة مثل اكتئاب، هلوسات، أفكار انتحارية، واضطراب ما بعد الصدمة. وقد صنفته الأمم المتحدة كتعذيب عند استخدامه لفترات طويلة، ومع ذلك تستمر إسرائيل في استخدامه دون محاسبة.
بالإضافة إلى التعذيب النفسي، استشهد ما لا يقل عن 296 أسيرا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية، منذ عام 1967. تتراوح أسباب الوفاة بين التعذيب والضرب إلى الإهمال الطبي — وهي شكوى شائعة بين السجناء، في وقت لا تزال إسرائيل تحتجز جثامين 68 أسيرا، من بينهم 57 توفوا منذ بداية العدوان الحالي.
الظروف داخل السجون الإسرائيلية سيئة للغاية، بحيث يعاني أكثر من 1000 أسير من أمراض خطيرة، بما في ذلك السرطان والسكري والفشل الكلوي. وغالبًا ما يُؤخر الوصول إلى الرعاية الطبية أو يُمنع تمامًا. بالنسبة للكثيرين، يصبح الحكم بالسجن بمثابة حكم بطيء بالإعدام.
الضحايا غير المرئيين: عائلات مشتتة
لا تنتهي معاناة الأسرى الفلسطينيين عند جدران السجن، فالعائلات بأكملها تدفع الثمن. يكبر الأطفال دون آباء، وتنتظر الزوجات عقودا، ويموت الآباء المسنون دون أن يروا أبناءهم أحرارا. أما زيارات العائلة – إن سُمح بها – فهي تخضع لقيود صارمة، وتستغرق ساعات من السفر والانتظار لأجل دقائق معدودة.
إلى جانب الألم النفسي، تعاني العائلات من صعوبات اقتصادية، ووصمة اجتماعية، وصدمات نفسية. بالنسبة للكثيرين، فإن اعتقال أحد أفراد الأسرة هو بداية رحلة طويلة من الألم والمعاناة.